خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 29من شعبان 1446هـ - الموافق 28/ 2/ 2025م
أَتَاكُمْ رَمَضَانُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الصِّيَامَ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَمَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِمَوَاسِمِ التَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالْإِكْرَامِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ مِنَ الْفَضْلِ وَالْإِنْعَامِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بَشَّرَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً بِغُفْرَانِ الْخَطَايَا وَالآثَامِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الْكِرَامِ وَأَصْحَابِهِ السَّادَةِ الْأَعْلَامِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا مَا تَعَاقَبَتِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ؛]يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُور رَّحِيم[ [الحديد:28].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
سَيُظِلُّنَا شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَضِيلٌ، وَمَوْسِمٌ لِلْخَيْرَاتِ جَلِيلٌ، الْأَعْمَالُ فِيهِ عَظِيمَةٌ، وَالْأُجُورُ كَرِيمَةٌ، تَعَدَّدَتْ فِيهِ الْفَوَائِدُ، وَتَكَاثَرَتْ فِيهِ الْعَوَائِدُ، إِنَّهُ شَهْرٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَنِّئُ أَصْحَابَهُ بِوُصُولِهِ، وَيُبَشِّرُهُمْ بِحُلُولِهِ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ، وَعَلى اغْتِنَامِ سَاعَاتِهِ وَأَيَّامِهِ؛ فَيَقُولُ: «قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].
وَالْمُوَفَّقُ - حَقًّا- مَنِ اغْتَنَمَ أَيَّامَهُ بِحُسْنِ الصِّيَامِ، وَقَامَ لَيَالِيَهُ مُخْلِصًا لِلِّهِ الْقِيَامَ، وَصَانَ جَوَارِحَهُ عَنِ الْخَطَايَا وَالْآثَامِ، وَعَمَرَ بِالطَّاعَاتِ كُلَّ أَوْقَاتِهِ، وَاغْتَنَمَ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ سَاعَاتِـهِ، فَطُوبَى لِمَنْ شَمَّرَ فِيهِ مُخْلِصًا، وَيَا حَسْرَةً عَلَى مَنْ يَكُونُ فِيهِ مُفْلِسًا.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَضَّلَ شَهْرَ رَمَضَانَ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ، وَعَظَّمَ لِلْعَامِلِينَ فِيهِ الثَّوَابَ وَالْأُجُورَ؛ فَفِيهِ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ، وَفَتَحَ أَبْوَابَ الْجِنَانِ، وَأَغْلَقَ أَبْوَابَ النِّيرَانِ، وَجَعَلَهُ شَهْرَ الصِّيَامِ وَالْقِيامِ، وَمَدْرَسَةً لِلِاسْتِزَادَةِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ]شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰت مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَر فَعِدَّة مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ[ [البقرة:185]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ« [رَوَاهُ الشَّيْخَانُ].
إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:
إِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ ضَيْفُ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَزِيلُ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، يَسْتَقْبِلُونَهُ بِشَوْقٍ وَمَحَبَّةٍ، وَيَعْمَلُونَ فِيهِ بِجِدٍّ وَرَغْبَةٍ، وإِنَّ خَيْرَ مَا يُسْتَقْبَلُ بِهِ شَهْرُ رَمَضَانَ: التَّوْبَةُ الصَّادِقَةُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَرَدُّ الْحُقُوقِ وَالْمَظَالِمِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ، وَإِنَّ بُلُوغَهُ لَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَمِنَّةٌ جَسِيمَةٌ، يَغْتَنِمُهُ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَأَرْبَابُ الصَّالِحَاتِ؛ لِيُحَاسِبُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى مَا فَاتَ وَيَعْمَلُوا لِمَا هُوَ آتٍ، وَاللهُ تَعَالَى تَوَّابٌ رَحِيمٌ، يُحِبُّ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ وَيَفْرَحُ بِهِدَايَتِهِمْ لِلطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ ، قَالَ تَعَالَى: ]وَإِنِّي لَغَفَّار لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحا ثُمَّ ٱهۡتَدَىٰ[ [طه: 82]، وعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»[رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وَيُسْتَقْبَلُ رَمَضَانُ بِالنِّيَّةِ الصَّادِقَةِ فِي إِخْلَاصِ الْأَعْمَالِ وَإِتْقَانِهَا، وَالْإِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ وَإِحْسَانِهَا، وَبِمُتَابَعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَدْيِهِ وَسُنَّتِهِ، وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ قَوْلًا وَعَمَلًا كَمَا جَاءَ فِي شَرِيعَتِهِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
وَيُسْتَقْبَلُ رَمَضَانُ كَذَلِكَ بِالْهِمَّةِ الْعَالِيَةِ الْقَوِيَّةِ، وَالْعَزِيمَةِ الْمَاضِيَةِ الْفَتِيَّةِ؛ الَّتِي تَطْمَحُ لِنَيْلِ الْمَعَالِي وَاكْتِسَابِهَا، وَتَلِجُ إِلَيْهَا مِمَّا يُسْتَطَاعُ مِنْ أَبْوَابِهَا، وَالصَّالِحُونَ يَغْتَنِمُونَ مَوَاسِمَ الْخَيْرَاتِ لِلتَّزَوُّدِ مِنَ الصَّالِحَاتِ، فَمَا يَدَعُونَ وَجْهًا مِنْ وُجُوهِ الْخَيْرِ إِلَّا الْتَمَسُوهُ، وَلَا بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ إِلَّا طَرَقُوهُ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - أَيْ: عَمِلَ صِنْفَيْنِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ-نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ« فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا)؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ:
وَيُسْتَقْبَلُ رَمَضَانُ بِمُجَاهَدَةِ النُّفُوسِ وَتَزْكِيَتِهَا، وَحَمْلِهَا عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ وَتَنْحِيَتِهَا، فَرَمَضَانُ فُرْصَةٌ لِلْمُجَاهَدَةِ وَالتَّرْبِيَةِ، وَمُنَاسَبَةٌ لِلتَّنْوِيعِ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالتَّزْكِيَةِ؛ وَلِهَذَا تَرَى النَّاسَ فيهِ مَا بَيْنَ مُفَطِّرٍ لِلصَّائِمِينَ، وَخَادِمٍ لِشَأْنِ الْقَائِمِينَ، وَقَارِئٍ لِكِتَابِ اللهِ الْإِمَامِ، وَبَاذِلٍ لِلْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ، وَوَاصِلٍ لِلْأَرْحَامِ، فَيَكْثُرُ الْخَيْرُ وَالْعَامِلُونَ بِهِ وَالدَّاعُونَ إِلَيْهِ، وَيَقِلُّ الشَّرُّ وَالْمُحَرِّضُونَ عَلَيْهِ، وَتَتَهَيَّأُ سُبُلُ الصَّلَاحِ لِكُلِّ مَنْ يُرِيدُ طُرُوقَهَا، وَتَنْكَمِشُ دَوَاعِي الْفَسَادِ أَمَامَ مَنْ يَوَدُّ سُلُوكَهَا؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ: صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
فَيَا بَاغِيَ الْخَيْرِ اضْرِبْ بِسَهْمِكَ فَدُونَكَ أَسْهُمَ التِّجَارَةِ الرَّابِحَةِ، وَاعْمَلْ فَإِنَّكَ فِي مَوْسِمِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.
وَفَّقَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى، وَهَدَانَا لِإِحْسَانِ الْعِبَادَةِ سُنَّةً وَفَرْضاً، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَمُجْتَبَاهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ نَلْقَاهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ.]يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ[ [آل عمران:102].
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ:
وَإِنَّ مِمَّا يُسْتَقْبَلُ بِهِ شَهْرُ الصِّيَامِ: أَنْ يَضَعَ الْمُسْلِمُ لِنَفْسِهِ مَشْرُوعًا لِاغْتِنَامِ نَفَحَاتِ الشَّهْرِ الْمُبَارَكَةِ، مِنَ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَالتَّصَدُّقِ وَتَفْطِيرِ الصُّوَّامِ، وَقِرَاءَةِ كِتَابِ اللهِ بِتَأَمُّلٍ وَتَدَبُّرٍ، وَاتِّعَاظٍ وَتَفَكُّرٍ، وَالْمُشَارَكَةِ فِي مَشَارِيعِ الْخَيْرِ وَالْبِرِّ وَالْإِطْعَامِ، وَمُوَاسَاةِ الْفُقَرَاءِ وَالْأَرَامِلِ وَالْأَيْتَامِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ وَخَاصَّةً الْجِيرَانَ وَالْأَرْحَامَ؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ؛ قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ شَاكِرٍ].
فَحَرِيٌّ بِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَغْتَنِمَهُ فِي التَّزَوُّدِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، وَيَكُفَّ فِيهِ عَنِ الْمَآثِمِ وَالْمُنْكَرَاتِ؛ لِئَلَّا يَخْسَرَ مَا اغْتَنَمَهُ مِنَ الْمَكَاسِبِ الْعَظِيمَةِ، وَلَا يُضَيِّعَ مَا كَسَبَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَالْأُجُورِ الْكَرِيمَةِ؛ فَالْعَاقِلُ لَا يُبَدِّدُ
مَا حَصَّلَهُ فِي سُوقِ الْحَسَنَاتِ بِفِعْلِ مَا يُذْهِبُهَا لِيَرْجِعَ خَالِيَ الْوِفَاضِ دَائِمَ الْحَسَرَاتِ؛ مِمَّا لَا يَنْفَعُ فِي دِينٍ وَلَا دُنْيَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ» [رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَحَسَّنَهُ مُحَقِّقُهُ الْأَرْنَاؤُوطُ]. فَعَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَحْفَظَ جَوَارِحَهُ لِيَسْلَمَ لَهُ صَوْمُهُ وَيَتِمَّ أَجْرُهُ، قَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً) [رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ]. قَالَ تَعَالَى: ]وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَناۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡر تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرا وَأَعۡظَمَ أَجۡراۚ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُور رَّحِيمُۢ[ [المزمل: 20].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَمَضَانَ، وَوَفِّقْنَا فِيهِ لِلتَّقْوَى وَالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، وَاجْعَلْنَا فِيهِ مِنْ عُتَقَائِكَ مِنَ النِّيرَانِ، وَأَعِنَّا فِيهِ - يَا رَبَّنَا - عَلَى حُسْنِ الْعِبَادَةِ فِي الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَعَلَى غَضِّ الْبَصَرِ وَحِفْظِ الْجَوَارِحِ مِنَ الْآثَامِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُدْ بِنَوَاصِيهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا، بِالْأَمْنِ وَالْأَمَانِ وَالْعَدْلِ وَالْإِيمَانِ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة